كيف أثرت الشركات الناشئة على ثقافة العمل والتوظيف في السعودية؟

كيف أثرت الشركات الناشئة على ثقافة العمل والتوظيف في السعودية؟

شهدت المملكة العربية السعودية خلال الخمس سنوات الأخيرة تحوّلا استثنائيا في منظومة الأعمال وسوق العمل، وكانت الشركات الناشئة أحد أهم الدعائم التي ساهمت في تطوير هذا المجال الذي يتنامى يوما بعد يوم، ولم يقتصر تأثير الشركات الناشئة تلك على الإقتصاد فحسب، بل تجاوز ليمتد إلى إحداث تأثير ملحوظ على ثقافة العمل وأساليب التوظيف في المملكة. 

إذ بدأت تلك الكيانات الناشئة في إيجاد حلول مُبتكرة  للتحديات المعاصرة، مما جعلها تجذب اهتمام الموظفين والمسؤولين ورواد الأعمال بشكل متزايد. ومن هذه النقطة بدأ التأثير العميق للشركات الناشئة على ثقافة العمل والتوظيف في السعودية، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في هذه المقالة. 

المحتويات

دعم الدولة للشركات الناشئة 

تزدهر الشركات الناشئة في المملكة العربية السعودية بشكل غير مسبوق، إذ بلغت الزيادة السنوية في تمويل رأس الاستثماري للشركات الناشئة بنسبة 72%، بقيمة 987 مليون دولار، وهو مبلغ هائل لم تشهده المنطقة من قبل، ويرجع الفضل في ذلك إلى الدعم الحكومي والنظام البيئي القوي المُساند للشركات الناشئة، وتمثّل ذلك الدعم في: 

  • الدعم المالي 

تستهدف مؤسسة “محمد بن سلمان – مسك” تشجيع ريادة الأعمال والاستثمار بها، فتدعم أكثر من 800 رائد أعمال و 160 شركة ناشئة منذ نشأتها في عام 2011م، كما توفّر المؤسسة العديد من الموارد التعليمية مثل الدورات التدريبية وورش العمل والندوات وبرامج التوجيه والتدريب مع ذوي الخبرة في هذه الصناعة. 

  • بيئة الأعمال   

أما بالنسبة للنظام البيئي الحاضن للشركات الناشئة، فإن مدينة الرياض السعودية تقع في المرتبة الرابعة في ترتيب أفضل خمس أنظمة بيئية داعمة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط، وعالميا قفزت الرياض من الترتيب 91-100 إلى 51-60 كبيئة داعمة للشركات الناشئة، والتي تنوّعت بين التجارة الإلكترونية والرعاية الصحية والتكنولوجيا. 

ثقافة العمل داخل الشركات الناشئة 

باتت الشركات الناشئة جزءًا مؤثرا لا يمكن إنكاره في سوق العمل السعودي، إذ بدأت بالفعل في منافسة الشركات الكبرى مدفوعة بدعم الدولة والرغبة في النمو والانتشار السريع، وقد كان أحد أهم عناصر هذه المنافسة هو تطوير ثقافة وبيئة عمل داخلية خاصة بها تساعدها على جذب المواهب وإيجاد حلول مُبتكرة لنقص الموارد.

  1. ساعات العمل المرنة 

السماح للموظفين بتحديد ساعات العمل بأنفسهم بالإضافة إلى حرية العمل من المنزل، يمنحهم إحساسا هائلا بالسيطرة على حياتهم، مما يجعلهم أكثر سعادةً وإنتاجية. ولذلك لجأت الشركات الناشئة إلى تطوير ثقافة العمل الخاصة بها التي تمنح لموظفيها بعض المرونة والحرية التي تعزز من روحهم المعنوية. 

  1. تشجيع الإبتكار 

تعتمد الشركات الناشئة على الابتكار لتزدهر سريعًا، ولذلك فمن المنطقي أن تترك ثقافة الشركات الناشئة الباب مفتوحًا على مصراعية أمام جميع الأفكار التي تدفعها نحو هذا الإزدهار، فهي في حاجة ماسّة إلى النمو بأقل الموارد والإمكانيات المُتاحة. 

  1. الأنشطة الترفيهية 

أدركت الشركات الناشئة في مرحلة ما أنه لا يمكن لأي موظف أن يكون منتجًا دون أخذ استراحة لساعة أو أكثر خلال يوم العمل، بل والأهم من ذلك أن تكون تلك الاستراحة فعّالة بها بعض الأنشطة الترفيهية التي تجمع بين النشاط البدني الخفيف والمنافسة، وذلك لإنعاش عقول وأجساد الموظفين والحصول على جهد أكبر وأفكار أفضل.

  1. الشفافية 

يرغب الموظفون داخل الشركات الناشئة بالأخص في الشعور بأنهم جزء من هذه الشركة، ينتمون إليها ويشعرون بالثقة والولاء تجاهها، وإن المفتاح لذلك هو الشفافية والصدق بشأن التعويضات والترقيات والمرتبات وكافة المعلومات الأخرى التي تؤثر على وضع الشركة الحالي أو المستقبلي. 

  1. تنوّع مهام الموظفين 

تطوّر هذا الجانب من ثقافة الشركات الناشئة بدافع الضرورة لا أكثر، فعادةً ما يكون لدى الشركات الناشئة عدد محدود من الموظفين مسؤولين عن أداء مجموعة كبيرة من المهام، ولذلك فقد لجأت الشركات الناشئة إلى دمج بعض الوظائف في وصف وظيفي واحد، وعلى الرغم من قلة المهنية في هذا التصرّف، إلا أنه على المدى البعيد أثبت كفاءته في تقليل الشعور بالملل لدى الموظفين، كما سمح بإنتاج أفكار جديدة أكثر تنوّعا، وشعور الموظفين بأنهم يتمتعون بقدرات واسعة النطاق بدلا من كونهم تروس داخل آلة. 

حرب المواهب 

تشتعل الحرب على المواهب داخل السعودية إلى مستويات غير مسبوقة، فبسبب مفهوم الاستقالة الذي أصبح متداولا بعد الجائحة، زادت أعداد الموظفين الذين تركوا وظائفهم فقط للبحث عن الراحة والتوازن في بيئة عمل مختلفة، فقد أصبح الموظفون يفكرون في أكثر من مجرد الرواتب عند اختيار العمل. 

ولذلك فقد زادت حاجة الشركات والمؤسسات إلى حماية مواهبها وجذب مواهب جديدة، وليس هناك أي سبيل لذلك سوى خلق بيئة وثقافة عمل يرغب الموظفون في الانتماء إليها، وخاصةً مع التحوّل الرقمي للأعمال داخل السعودية، ودخول “الجيل Z” إلى سوق العمل. 

تأثير الشركاء الناشئة وحرب المواهب على ثقافة العمل في السعودية 

إن الطلب المكثف على المواهب والبارعين في كافة المجالات يتطلب وجود ثقافة عمل ناجحة للفوز بمعارك المواهب، وهذا ما أدركته الشركات الناشئة مُبكرًّا، وبدأت بالفعل في استغلال ثقافة النمو الإبداعي والاستقلالية والتعاون والحرية والابتكار لاستقطاب المواهب وتعزيز ولائهم للشركة كما ذكرنا منذ قليل، وهو ما دفع الشركات الكبرى بالتبعية إلى التغيير وإعادة النظر في ثقافتها ورؤيتها واستراتيجيتها.

وبناءً على ذلك، يتضح أن المنافسة على المواهب بين الشركات الناشئة وبعضها، وبين الشركات الناشئة والكبيرة هو ما دفع كافة الشركات في المملكة إلى تجاوز مبدأ التركيز على الراتب فقط، والاتجاه إلى بناء ثقافة عمل جذابة للموظفين وتحقق السعادة لهم على كافة المستويات، ويتضمن ذلك: 

  1. تطوير عروض العمل والتوظيف

طوّرت المنشآت السعودية من عرض العمل الذي تقدّمه للموظفين، ليتمحور حول قيَم المنظمة والجاذبية داخل بيئة العمل، وحسن نيتها تجاه الموظفين، ورغبتها في تطوير قدراتهم، ومكافأتهم بناءً على النتائج، ومنح المغتربين والمواطنين نفس الحقوق وآفاق التطوّر. مما خلق جاذبية متزايدة لسوق العمل السعودي، وانخفاض ملحوظ في تكاليف التوظيف. 

  1. الإنتقال من التطوير إلى النمو المتبادل

في الآونة الأخيرة، زادت احتياجات المؤسسات السعودية إلى تطوير قدراتها في عالم التكنولوجيا والبيانات، وهو ما دفعها إلى الاستعانة بمسؤولين متخصصين أو وكالات استشارية خارجية، وهو حل فعّال لكنه قصير المدى وغير مستدام وباهظ الثمن. ولذا .. فقد كان رفع كفاءة الموظفين وخلق منفعَة متبادلة بينهم وبين الشركة هو الحل الناجح لكافة الأطراف. 

  1. برامج التحفيز طويلة المدى 

وجدت الشركات السعودية صعوبة بالغة في المنافسة مع الرواتب المتزايدة التي تعرضها المؤسسات الكبيرة ويطلبها الموظفون، لذا كان من الأفضل تطوير برامج تحفيز ومكافآت على المدى البعيد، بحيث يحصل عليها الموظفون إذا تم تحقيق أهداف الشركة. 

وهذا الارتباط الوثيق الذي نشأ بين ثقافة الشركة والمكافآت طوّر علاقة ناجحة بين المسؤولين التنفيذيين والموظفين على حد سوا، إذ خلق وضوحًا أكبر لدى المسؤولين بشأن التوقعات والأهداف والمسؤوليات، وفي نفس الوقت زاد الوعي لدى الموظفين بثقافة الشركة وسلوكياتها المطلوبة، بالإضافة إلى الشعور بالملكية والانتماء. 

  1. تطوير المهارات الرقمية 

تدخّلت التكنولوجيا بشكل ضخم ومتزايد في كافة الأعمال داخل السوق السعودي، وهو ما دفع العاملين إلى اكتساب مهارات جديدة وتطوير مهاراتهم الرقمية ليواكبوا احتياجات سوق العمل المتغيرة والمتطوّرة، فانعكس ذلك بشكل إيجابي على جودة العمل والإنتاجية. 

وفي نفس الوقت، فقد وصل التطور التقني إلى الشركات، وصارت تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا لتطوير ثقافة العمل داخل الشركة، ومن أكبر الأمثلة على ذلك شركة بيزات، المنصة الإلكترونية التي تركز بشكل أساسي على تحسين بيئة وثقافة العمل داخل الشركات بالاعتماد على التقنية، وتسعى لتمكين الشركات لتقديم تجربة توظيف استثنائية بمعايير عالمية لموظفيها. 

خلاصة 

صارت ثقافة العمل في المملكة العربية السعودية تجربة فريدة من نوعها تستحق الدراسة والتحليل والمتابعة، فقد تكيّفت في وقت قصير مع روح الانفتاح الاقتصادي الاستثنائي الذي حدث في المملكة، وكانت زيادة أعداد الشركات الناشئة والمعارك المستمرة على المواهب أهم أعراضها، ولكنها بالرغم من ذلك لا تزال محافظة على قيمها الخاصة المرتبطة بالتراث التجاري والتاريخي، وهو ما جعلها أحد أكبر الاقتصادات في العالم العربي. 

مزايا استثائية لموظفين أكثر رضا وإنتاجية

قدم لموظفيك مجموعة مزايا مادية وصحية استثائية ترفع من إنتاجيتهم وتعزز ولاءهم وتحسن معدل الرضا الوظيفي

اطلب عرضك التجريبي الآن
0 Shares: